
أي شـيء أنا إذن؟ أنا شيء مفكر. وما الشيء المفكر؟ إنه شيء يشك، ويفهم، ويتصور، ويثبت، وينفي، ويريد، ويتخيل، ويحس أيضا. إنه ليس بالأمر اليسير أن تكون هذه كلها من خصائص طبيعتي، ولكن لمَ لا تكون من خصائصها؟[start-read-more]
ألستُ أنا ذلك الشخص نفسه الذي يشك الآن في كل شيء تقريبا، وهو مع ذلك يفهم بعض الأشياء و يتصورها ويؤكد أنها وحدها صحيحة، وينكر سائر ما عداها، ويريد أن يعرف غيرها، ويأبى أن يُخدع ويتصور أشياء كثيرة على الرغم منه أحيانا، ويحس منها الكثير أيضا بواسـطة أعضاء الجسم؟ فهل هناك من ذلك كله شيء لا يعادل في صحته اليقين بأني موجود، حتى لو كنت نائما دائما وكان من منحني الوجود يبذل كل ما في وسعه من مهارة لتضيلي؟ وهل هنالك أيضا صفة من هذه الصفات يمكن تمييزها عن فكري أو يمكن القول بأنها منفصلة عني؟
فبديهي كل البداهة أنني أنا الذي أشـك وأنا الذي أفهم وأنا الذي أرغب، و لا حاجة إلى شيء لزيادة الإيضاح. ومن المحقق كذلك أن لدي القدرة على التخيل: لأنه على الرغم من أنه من الممكن – كما افترضت فيما سبق- أنه لا شـيء مما أتخيل بحقيقي، فإن هذه القدرة على التخيل لا تنفك أن تكون جزءا من فكري، وأنا أخيرا الشـخص عينه الذي يحس، أي الذي يُدرك أشــياء معينة بواسطة الحواس … من هنا بدأت أعرف أي شيء أنا، بقدر من الوضوح و التميز يزيد عما كنت أعرف من قبل.
“ديكارت”، التأملات، التأمل الثاني، ترجمة عثمان أمين ، مكتبة الأنكلو مصرية ، الطبعة الثانية ، 1974، ص: 101-103